الإسلاموفوبيا: تجليات الكراهية وسُبل التّجاوز
أميمة بونخلة
منذ عقود، أضحت ظاهرة الإسلاموفوبيا إحدى أبرز تجليات الكراهية الممنهجة في المجتمعات الغربية، لا باعتبارها موقفًا شخصيًّا معزولًا، بل بوصفها خطابًا متواترًا ومؤسَّسًا يطال مختلف المستويات: من الإعلام إلى القانون، ومن السياسة إلى المدرسة. وقد تزايد هذا الخطاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وتكثّف أكثر عقب العمليات الإرهابية التي شهدتها باريس، ونيس، وبرلين، ولندن، وغيرها، ليتحوّل الخوف من التطرّف إلى ذريعة لتعميم الاشتباه في كل ما له صلة بالإسلام. وهو ما تنبّه له إدوارد سعيد، حين أشار إلى أن "الشرق يُستَخدم كأداة لتحقيق مصالح الغرب"، مؤكّدًا أن الأيديولوجيا التي تُبنى عليها الصورة النمطية عن الإسلام تعزز الانقسام بين "الذات" و"الآخر" (1).
إن الإسلاموفوبيا ليست نابعة فقط من نزوع نحو التطرّف في الرؤية الثقافية، بل هي ظاهرة سياسية تُستثمر انتخابيًا وإيديولوجيًا. في فرنسا، على سبيل المثال، لا تخلو الحملات الرئاسية من نبرة عدائية تجاه الإسلام، كما لاحظ الباحث الفرنسي أوليفييه روا، معتبرًا أن الإسلام بات "يُحمَّل رمزيًّا مسؤولية فشل نموذج الإدماج الجمهوري". ويؤكد أن السياسات الغربية تُحوّل المسلم من فردٍ مواطن إلى كيان يُختبر ولاؤه بشكل مستمر، ويُطالَب بالاندماج في مجتمعٍ لا يعترف به كامل الاعتراف (2).
أما المدرسة، باعتبارها الحاضنة الأولى للتنشئة الاجتماعية، فقد غدت بدورها مسرحًا لتمثّلات الإسلاموفوبيا، من خلال قوانين تُقصي المظاهر الدينية، لا سيما الحجاب، وتُشرعِن نوعًا من الرقابة الرمزية على التلاميذ المسلمين. وقد أظهرت تقارير منظمات مثل "هيومن رايتس ووتش" أن السياسات التعليمية في فرنسا وكندا وبعض ولايات ألمانيا تتجه نحو قَوننة الإقصاء، لا إدماج التعدد. ويعبّر يورغن هابرماس عن هذا الاختلال حين يقول: "الدولة العلمانية لا تُطالب الأفراد بالتخلي عن هوياتهم، بل بتأطيرها داخل أفقٍ من التعدد والاعتراف بالمساواة" (3).
تتجلّى مظاهر الإسلاموفوبيا أيضًا في الإعلام، الذي يربط الإسلام بالعنف، ويُظهر المسلمين في صورة المهاجر غير المتحضّر أو الإرهابي المحتمل. وقد وثقت دراسة أجراها "معهد رويترز للصحافة" (2021) في بريطانيا أن التغطيات الإعلامية حول المسلمين كانت في 59٪ من الحالات سلبية، مقارنة بـ37٪ فقط للتغطيات السلبية لمعتنقي أديان أخرى. هذا التمثيل الإعلامي يشكّل ما يسميه بول ريكور بـ"العنف الرمزي"، حيث لا يُقصى الآخر جسديًا، بل يُختزل في نمط واحد يُجرّده من إنسانيته (4).
أما في الحياة اليومية، فإن المسلمين يعانون من أشكال التمييز في السكن والعمل والحياة العامة، فضلاً عن الاعتداءات الجسدية واللفظية، خاصة في لحظات التوتر. ووفقًا لتقرير "المجلس الأوروبي لمناهضة العنصرية" (ECRI, 2022)، فإن الإسلاموفوبيا في فرنسا وألمانيا وكندا شهدت تصاعدًا ملحوظًا في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث تم رصد آلاف حالات الاعتداء، من بينها الاعتداء على مسلمات محجبات في المترو والأسواق، فضلًا عن رسائل الكراهية التي تُبعث إلى المساجد.
أمام هذا الواقع، لا يكفي الاكتفاء بالتنديد أو إصدار بيانات الشجب، بل يقتضي الأمر مقاربة متعددة المستويات: أولها إصلاح المناهج الدراسية بما يسمح بتقديم صورة متوازنة عن الإسلام وحضارته، ثانيها توفير تكوين تربوي للأساتذة يرسّخ قيم التعدد، وثالثها مراجعة السياسات الإعلامية نحو مزيد من الموضوعية (5).
كما أن دور المؤسسات الثقافية والدينية يظل محوريًا في بناء خطاب بديل، يعزز قيم الحوار والتفاهم، ويسهم في تصحيح الصور النمطية. هذا دون إغفال أهمية تعزيز البحث العلمي حول الظاهرة، وتأسيس مراصد مستقلة لرصد الإسلاموفوبيا وتوثيق انتهاكاتها. فبدون الاعتراف العميق بالخلل البنيوي، وبدون إرادة سياسية حقيقية، سيظل المسلم في الغرب يعيش في ظل "هوية مؤجلة.
1. Said, Edward. *Orientalism*. New York: Pantheon Books, 1978.
2. Roy, Olivier. *La Laïcité face à l'Islam*. Stock, 2007.
3. Habermas, Jürgen. *The Inclusion of the Other: Studies in Political Theory*. MIT Press, 1996.
4. Reuters Institute. “How UK media covers Muslims and Islam”, University of Oxford, 2021.
المصادر:
Said, Edward. Orientalism. New York: Pantheon Books, 1978.
Roy, Olivier. La Laïcité face à l'Islam. Stock, 2007.
Habermas, Jürgen. The Inclusion of the Other: Studies in Political Theory. MIT Press, 1996.
Ricoeur, Paul. Oneself as Another. University of Chicago Press, 1992.
Taylor, Charles. Multiculturalism: Examining the Politics of Recognition. Princeton University Press, 1994.
Reuters Institute. “How UK media covers Muslims and Islam”, University of Oxford, 2021.
European Commission against Racism and Intolerance (ECRI), Annual Report, 2022
ابحث
أضف تعليقاً