بقلم: محمد العسيري
أحد الأبعاد الاستراتيجية المهمة التي يرتكز عليها كثير من الدول المتقدمة وأصبحت من أهم مميزاتها التنافسية، التي لها الآثار الملموسة في الأبعاد الاقتصادية الصناعية والاجتماعية والدفاعية بمختلف فروعها، هي الأبحاث العلمية الفاعلة، وأقصد بتلك الأبحاث التي لها آثار ونتائج بارزة وإمكانات حقيقية لتطبيقها والاستفادة منها كابتكارات نوعية هادفة، تهدف إلى خدمة البشرية في شتى المجالات. ولا شك أن ذلك يحتاج ويتطلب جهودا متكاتفة ومتكاملة مع جميع الجهات ذات العلاقة، وتبدأ من الاستراتيجيات التي تقوم بها وتهدف إليها، وأولها تفعيل ممارسات العصف الذهني Brainstorming وعمل ورش العمل والفعاليات لتحفيز الابتكارات والمبتكرين، وتشمل تهيئة البيئة لتلك البحوث والابتكارات، ومن أهمها تهيئة البيئة التعليمية ودعمها وتمكينها، ولأهمية هذا الموضوع سأتطرق في هذا المقال إلى كيفية ذلك مع ذكر بعض الأمثلة لتوضيح ذلك.
تعد الجامعات بمراكزها البحثية والابتكارية والريادية في الأعمال من أهم عوامل التطوير والتقدم، ولعل وجود بيئة تعليمية متطورة مشجعة للبحث والابتكار سيكون له الأثر البارز في ذلك، ولعلي أستشهد بجامعة حائل كمثال لذلك. جامعة حائل هي إحدى الجامعات السعودية التي أسست بمرسوم ملكي في 2005، حيث تعد من الجامعات الناشئة الأكثر تطورا في المملكة، وحصلت في 2019 على جائزتين للتميز في الإنتاج العلمي الأعلى تأثيرا والأكثر إنتاجا في قاعدة Scopus، التي تعد من أكبر قواعد البيانات العلمية، وأخيرا وبمرجعية تصنيف "التايمز" العالمي للجامعات لـ2022، تمكنت الجامعة من الوصول إلى مراتب متقدمة على المستوى العالمي، حيث تقع ضمن أفضل 351 جامعة عالمية، وعلى مستوى الدول العربية احتلت المركز التاسع، وعلى مستوى الجامعات في المملكة تصدرت المركز الخامس، ولا شك أن ذلك من نتائج اهتمام ودعم ورعاية القيادة الرشيدة لقطاع التعليم، واهتمام وحرص قيادات الجامعة للاستفادة من ذالك.
والباحثين المبدعين والموهوبين المبتكرين وتهيئة مثل هذه الحوافز والمبادرات والمسابقات التشجيعية لهم، وتهيئة الأماكن والبيئة والظروف التي تجمع بين هؤلاء الكواكب من مختلف مناطق المملكة ومدنها ومراكزها البحثية وغيرها بمختلف التخصصات.
ولاستدامة مثل هذه المبادرات والمسابقات الوطنية في مجال الابتكار، أرى ضرورة جمع وتنسيق مثل هذه الأفكار والمبادرات والأبحاث والابتكارات في مرجعية واحدة "منصة ابتكار وطنية"، يسهل للباحث والعالم والمبتكر والمستثمر والمصنع وصاحب القرار الرجوع إليها في أي وقت يشاء، ولتكون بمنزلة مرجعية للمهتمين لتبادل الأفكار والرؤى في هذا القطاع المهم، وكذلك لتوحيد الجهود، كما ذكرت ذلك في مقال سابق، بعنوان "منظومة الابتكار عبر منصة موحدة"، وألا تكون بداياتنا من حيث بدأ الآخرون، بل تكون انطلاقتنا من حيث انتهى الآخرون، ومبدؤنا ابتكار وريادة ببحث وعصف مستدام.
ابحث
أضف تعليقاً