شيء من فقه الدعاء:
1- الدعاء رسائلنا إلى الله.
بقلم: أبوجرة سلطاني.
من الطرائف التي رواها لنا بعض من كانوا قريبين من الرئيس الراحل هواري بومدين (رحمه الله) أنه كان حريصا على قراءة الرسائل الطريفة التي ترد على ديوان الرئاسة. فجيء له يوما برسالة موجهة إلى الله جل جلاله. عنوانها: (من فلان الفلاني إلى الله..!!) . كان مكتوبا فيها: يارب مشتاق إلى الحج وليس عندي مال ولا جواز سفر..!! ضحك الرئيس من غرابة هذه الرسالة..!! وأمر أحد مساعديه بالتكفل برغبة هذا المواطن مكافأة له على طيب نيته..!!
أرسل له مساعد الرئيس أو أحد مستشاريه - مع شرطي دراجي - جواز سفر حج ومبلغا ناقصا قليلا عن التكلفة المخصصة لتغطية نفقة الحج في ذلك الوقت (أرسل له 3000 د.ج. والمبلغ المطلوب 3500 د.ج.). فاستلم صاحب الرسالة هدية الرئيس وشكر الدراجي.. ولم تمض سوى أيام قليلة حتى جيء للرئيس برسالة أخرى من المواطن إياه موجهة - مرة أخرى - إلى الله جل جلاله مكتوبا فيها: شكرا يا ربي على كرمك. لكن الحكومة سرقت من المبلغ الذي أرسلته لي 500 دينارا..!! في المستقبل لا ترسل لي رزقي عن طريق الحكومة..!!
سواء صحّت هذه الرواية أم كانت من نسج خيال بعض بطانة الرئيس. أو هي نكتة من المعارضة لتوصيل رسالة سياسية للرئيس مفادها أن بعض وزرائه كانوا يلحسون أصابعهم لما سمعوه يقول: "اللي يخلط العسل يلحس أصابعه". لكن الثابت بصريح القرٱن وبيقين الإيمان أن الرسائل التي يرفعها المؤمن - بصدق - إلى الله جل جلاله تصل إليه بأسرع من سرعة الضوء. لأنه يسمع ويرى. ولا يصدها سوى أكل الحرام أو الظلم أو قطع صلة الرحم.. فإذا رفعت إلى السميع المجيب جاءه الجواب نعمة أو رحمة أو فضلا:
1- فالنعمة أن يستجيب الله له بما سأله كما سأله. وتلك نعمة عاجلة يحبها كثير من الناس.
2- والرحمة أن يدفع الله بها عنه بلاء. أو يخفف بها عنه وقع مصيبة. أو يقيه بدعواته مصارع السوء. وتلك رحمة لا يعلمها كثير من الناس.
- والفضل أن يدخر له جوابها إلى يوم الفصل فضلا من لدنه فيجد جزاء صبره عن عدم الإجابة حسنات في ميزانه يوم التغابن. وهذا فضل من الله لا يصبر عليه إلا الموقنون.
فالدعاء الصادق معراج المؤمن إلى رب العزة جل جلاله. وكلما كان الداعي مضطرا كلما كان دعاؤه أسرع إلى بلوغ ذي العرش. وأقرب ما يكون العبد إلى ربه حال سجوده خاشعا متصدعا. لأن وضعية السجود هي الوضعية الوحيدة التي تسقُط فيها عن الساجد شاراتُه وألقابه ومكانته وعلمه وماله وجاهه وسلطانه.. إذا رافق السجود خضوع مخبت لله بمجامع العقل والقلب والنفس والمشاعر.. وبراءة من حول النفس وطوٰلها إلى حول الله وقوته.. وهي الحال التي رفض إبليس أن يكون عليها بظن أنه خير من ٱدم (عليه السلام) كونه مخلوقا من طين وإبليس مخلوقا من نار. والنار - في فقه إبليس - خير من الطين. وهي "فلسفة عنصرية" ردها الله عليه ولعنه وطرده من رحمته وتوعده - ومن شايعه - بالجحيم. وقال جل حلاله:" لْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا" الفرقان: 77. فلا قيمة للإنسان عند الله إلا بالدعاء بمعناه الواسع الرحيب.
فالدعاء هو العبادة. وبغير دعاء لا يعبأ الله بامرئ لا يدعوه ولا يتضرع إليه ولا يسجد له ليكون منه قريبا. وحسبك من مكانة هذه العبادة عند الله أنه أمر بها في ختام أول سورة أنزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله:" كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ۩ " العلق: 19. وحسبك أيضا أن كل سؤال كان الناس يطرحونه على رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنزل الوحي بالجواب عنه بصيغة: قل لهم كذا وكذا. فلما سأله بعض الناس: أربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ نزل الخطاب من الله لعباده جميعا بغير واسطة: " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " البقرة: 186. أنا هنا قريب محيط أقرب إلى الداعي من حبل وريده.
لم يأمر الله جل جلاله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بأن يقول للسائل إن الله قريب. بل تولى هو الإعلان عن قربه من كل سائل. وزاد بأنه يجيب دعوة من دعاه إذا استجاب الداعي لأمره ونهيه وٱمن به وأيقن - وهو يدعوه - أنه قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.
ولكن متى؟
إن الله لا يمل حتى يمل الداعي من دعائه وييأس من الجواب. وقد جهل كثير من الناس أن الداعي ربما يكون قد تلقى جوابه بأنفع له مما سأل. وأن الله وقاه عذاب السموم ..!! فقد يكون في بعض الدعوات المستعجلة هلاك الداعي أو من دعا عليهم في لحظة غضب (زوجه أولاده صديق قريب.. أو ربما دعا على نفسه بالويل وسواد الليل). فإذا عجل الله الإجابة خاب سعيه: "وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا" الإسراء:11. فكم من دعوة لو عجل الله جوابها لقضي الأمر ولات حين مناص.
ابحث
أضف تعليقاً