فخ المقارنة
هالة جمال سلوم
خلق الله تعالى البشر شعوباً وقبائل من نفس واحدة، وجعلهم أجناساً متفاوتين في الشكل، والنسب، والقدرات، والصفات، فمنهم السود والبيض، الرق والسادة، والغني والفقير، القوي والضعيف، فسبحانه لم يخلق هذا عبثاً فالتفاوت له حكمة، والاختلاف بينهم ضرورة، فلو كان كل الناس أغنياء لما وجدنا الفلاحين والعاملين وأهل المهن، فسخر الله الناس للناس، لاستمرارية عجلة الإنتاج، وإعمار الأرض.
يعيش الناس في مجتمع منفتح أمام الآخرين، مكشوفة أحوالهم، ظاهرة قدراتهم المادية والبدنية، ووظائفهم وذهابهم وإيابهم، خاصة مع الانفتاح الزائد في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، إذ كشفت الحياة اليومية - الوهمية - بأدق تفاصيلها، فما نراه من مقاطع، ما هي إلا مشاهد منسقة مغربلة، تُظهر واقعاً مزيفاً بأبهى الصور وأجملها، ومن هنا، تبدأ المراقبة، ومن ثم الاقتداء والاجترار والمواكبة، وسرعان ما نقع في فخ المقارنة، بشقيها، الإيجابي والسلبي.
إن المقارنة السلبية جهد وتعب نفسي لا ينتهي، ورحلة بحث مستمرة عن الهدوء والسكينة، التي لن نجدها طالما نضع أنفسنا في دائرتها، وسنبقى غير راضين عما نملك، ونجد أن ما يملكه الآخرون هو أفضل وأثمن، فنمتلئ بالغل والكراهية، ونلعن الحظ ونسخط من واقعنا، فيتولد الحقد والحسد، وقد يصل الأمر للمرض النفسي والبدني، فنخسر المتاح، ونألم لغير المتاح! فنسقط في هوة المواكبة المزيفة فنتحمل العبء المادي والمعنوي كمحاولة لإرضاء الذات، وعيش تفاصيل حياة الآخرين.
عادة ما تبدأ المقارنة الخاطئة في الأسرة، بين الأخوة، ويكون ذلك خطأ الوالدين في مقارنة الأبناء بعضهم ببعض والمفاضلة بينهم، ومقارنتهم بأبناء أقاربهم وأبناء جيرانهم، بالتحصيل العلمي أو السلوك أو الأخلاق أو الوظيفة، وغيرها، معتقدين أن بالمقارنة هذه ستولد روح المنافسة والتحدي، وفي الواقع لا تولد سوى الحقد والكراهية وجلد الذات.
أما المقارنة الإيجابية، فعادة ما تدفعك للمنافسة لتطوير ذاتك، وتزيد إصرارك للوصول إلى مبتغاك الذي ترجو، ولتحسّن أوضاعك – اقتداءً لا هاجساً - لا يمكن الخلاص منه، فتعمل بجد وتضاعف جهودك لتصل إلى نتيجة أفضل، وثق تماماً بأن ما يملكه الآخرون قد لا يناسبك إذا امتلكته أنت، فهذه حكمة الله تعالى، هو أعلم وأبصر فيما يعطيك وفيما يمنع عنك، وربما في المنع يكمن الخير، وربما ما عند غيرك هو وابتلاء واختبار، وظاهر الأمر لك نعم ورخاء. يقول الله في محكم كتابه" "وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ"
لو فكرنا بعمق لعرفنا أننا نملك أشياء لا يملكها الآخرون، ونتمتع بصفات يتمنى أن يحظى بها غيرنا، فالأرزاق مقسمة، والأقدار مكتوبة، والقدرات موجودة، ولكنها تتفاوت بين البشر.
ومن أسمى صور المقارنة الإيجابية، المقارنة والمنافسة في أداء العبادات وفي طاعة الله تعالى، "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".
ارض بما قسمه الله لك واجتهد واعمل لتطور ذاتك، لا لتقليد الآخرين، واحمد الله على نعمه، ثق بنفسك وقدراتك، وكن على يقين أنك كلما عملقت الآخرين، قزمت نفسك.
إن في الرضى والثقة والقناعة سكينة وسعادة لا تقدر بثمن، وهم بوصلتك لتعيش بسلام..
والسلام..
ابحث
أضف تعليقاً