" من نحــــــــــــن؟ "
يحفزني هذا السؤال المطروح منا وعلينا جميعاً فلا تخلو مؤسسة أو دائرة أو منظمة مجتمع مدني من نشرة تتضمن هذا السؤال والإجابة عليه بعبارات موجزة ومختصرة ومعبرة، عن تلك الرؤية التي انبثق عنها الإطار النظري ثم الجانب التنفيذي عند هذا أو ذاك، والأشخاص هم كذلك معنيون بالتعريف عن أنفسهم والتعبير عما يخالج دواخلهم من أفكار ورؤى وأخيلة كثيرة، تشكل في مجملها شخصيتهم بكل أبعادها الفكرية والثقافية والاجتماعية، الأمر الذي ينبني عليه تكوين علاقات إدارية أو سياسية أو اجتماعية في المؤسسة والحزب والأسرة الممتدة والمجتمع على اتساعه، فيكون الكل معروفاً لدى الجميع وفق مستويات متباينة حسب حجم المحبة والمودة والاختلاط والشراكة الإنسانية والمصالح المتبادلة التي تربط بين مكونات المجتمع وأفراده.
ولذلك نقول، إن عبارة (من نحن؟) بكل دلالاتها وما تتضمنه هذه الدلالات تلامس واقعنا كأمة، تحتاج إجابة رصينة وجامعة ومانعة، وليس مراوغة أو مهادنة أو خائفة أو مرتجفة، لأن استكمال الإجابة عنها يعطي تصوراً واضحاً للجميع، عما نفكر ونؤمن وعما نعيشه ونعانيه، وعما ننتظره ونعمل من أجله، وعما هو حلال علينا الاقتراب منه، وما هو محرم النظر إليه أو التفكير أو التدبر في سبيل الخلاص منه، وعليه، فإن الإجابة التي تستوجب الإحاطة العامة والشاملة في كل ما نمثله ويمثلنا ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، تحتاج جرأة في الطرح، ونكراناً للذات لأن القدرة على تقديم الذات الفردية والجمعية للآخرين يتطلب تعبيراً دقيقاً بعيداً عن المجاملة التي تفقد الذات الإحساس بالمسؤولية والكرامة الإنسانية، إذ لا معنى للخوف والتردد والحيلة وأنت تصف واقع أمة سادت وشادت تم تراجعت وضعفت حتى صارت مهددة بالتدمير والخراب في كل دولها وشعوبها وأفرادها، وسبب ذلك كله هو إسناد الأمر إلى غير أهله شكلاً ومضموناً الأمر الذي عطل الإبداع والاختراع والتطوير، لأن الرسالة التي تصل للطاقات الفاعلة والقادرة على الإنتاج والصيرورة من حال تنموية إلى حال أفضل، قد حملت مضامين الخذلان والتراجع وعدم الثقة في المؤسسات والأفراد على حد سواء، وحتى نضمن إجابة حقيقية لهذا السؤال المحدد والمباشر فما علينا إلا تحديد ملامح هويتنا الفكرية الجامعة كأمة التي كانت ذات زمان هي المرآة الصادقة التي فيها ملامح وجهنا الحقيقي بكل ما فيه من أنفة وشموخ وعز ونضارة وحيوية وحياء، وشهامة وكرامة ونفس أبية تأبى الضيم وتنفر منه، ولذلك فإن عبارة ( من نحن؟) نريد لها إجابة صادرة من الجميع بأننا أمة دانت لها الدنيا، عندما امتلكنا المعرفة وصنعناها عملاً منتجاً قادراً على تلبية رغبة الجميع بالعيش بكرامة وقدمت كذلك وجهاً مشرقاً تظهر فيه ملامح العز الذي قدمنا للعالم تفسيراً للآية الكريمة ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾، ولذلك نشعر الآن بخجل شديد مما آلت إليه أوضاعنا وأحوالنا التي شهدت غياباً لكتاب الله سبحانه وتعالى في مفاصل حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية التي تقدمنا للآخر كمسلمين، ولم تعد قادرة على التعبير عن ذاتها وفق مستوى رفيع يستحق الإشادة به، وهذا ما يفسر تراجعاً واضحاً على المستويات والميادين كافة بلا استثناء.
ولعل أبسط الحلول وأسرعها هي الرجوع تدريجياً إلى تفعيل كل المضامين التي جعلت منا أفراداً ومجتمعات تستحق مفهوم الخيرية بمعناها الحقيقي الذي يلمسه الناس في حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية لنصل إلى المعنى الحقيقي للحالة التي تصلح جواباً لهذا السؤال المعقد والبسيط في آن معاً، من نحن؟
الدكتور حسن علي المبيضين
ابحث
أضف تعليقاً