wasateah
المنتدى العالمي للوسطية
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً
عدد الزوار page counter
التربية النبوية الراشدة في اكتشاف ورعاية المواهب

التربية النبوية الراشدة في اكتشاف ورعاية المواهب

بقلم: أ. رولا أديب السيد

 

 

لقد خلق الله -سبحانه- الإنسان وعلَّمه البيان، وأودع في كل نفس طاقاتٍ كامنةً، ومواهبَ متعددة،

أحببت أن أتحدث عن أمر عظيم، وعن سياسة نبوية راشدة، نحتاج إليها في بيوتنا ومجتمعاتنا، ومدارسنا ومؤسساتنا، إنها: التربية النبوية الراشدة في اكتشاف القدرات.

لقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- قائدًا ومربيًا، يعرف كيف يكتشف الطاقات في الناس، وكيف يضع كل إنسان في مكانه المناسب، لم يكن يعتمد المحسوبية، ولا القرابة، بل كان يقيم الرجال على أساس الكفاءة، وهذه التربية الراشدة من أعظم ما تحتاجه أمتنا اليوم.

فإن من أعظم ما أنجزه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلال بعثته، أنه لم يكتفِ بدعوة الناس إلى التوحيد، بل ربَّى جيلًا كان كل فرد فيه مشروعَ أمة، فكانت سياسته وتربيته الراشدة لا تقوم فقط على إدارة شؤون الناس، بل هي تدبير الأمور بما فيه صلاح الخلق في دينهم ودنياهم، بما يوافق شرع الله، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- مارس سياسته التربوية الراشدة في أسمى صورها؛ فكان يكتشف الطاقات يوظِّف الكفاءات، ويعتني بالمواهب، ويكتشف القدرات منذ بداياتها، وينمِّيها بالتعليم والتدريب والتشجيع. ويوجَّههم نحو خدمة الدين والأمة، حتى صاروا قادةً في كل مجال.

فهذا عمرو بن العاص أسلم، ولم يمضِ وقت طويل على إسلامه، حتى ولَّاه النبي -صلى الله عليه وسلم- قيادة جيش فيه من هو أقدم منه إسلامًا؛ لأن فيه من القدرات ما تؤهِّله لتلك المهمة، رغم أنه أسلم في السنة الثامنة الهجرية قبل الفتح، إلا أنه أصبح موضعَ ثقةِ النبي صلى الله عليه وسلم، وموضعَ اعتماده، وكان إقباله على الإسلام نتيجة لتفكيره العميق، واقتناعه الكامل بالإسلام، فأسلم الناس، وآمن عمرو، فجعله النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد قادة سرية ذات السلاسل، ونجح في قيادته نجاحًا باهرًا، وتولى قيادة سرية هـدم سواع - صنم هـذيل - فأدى واجبه، وهدم الصنم.

وكذلك رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- المواهب العسكرية والقدرات القتالية الهائلة عند خالد بن الوليد؛ فقال له: (نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد، سيف من سيوف الله سلَّه الله على الكفار والمنافقين).

ورأى ذلك أيضا عند زيد بن ثابت، لاحظ نباهته وسرعة حفظه، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بتعلُّم السريانية، فأتقنها في أيام.

ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- عبدَالله بن عباس نابغةً من النوابغ في الفَهم والعلم والاستنباط؛ فدعا له فقال: (اللهم فقِّهه في الدين وعلِّمه التأويل)، فصار حبرَ هذه الأمة.

هكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكتشف المواهب والقدرات؟ يكتشفها بالملاحظة الدقيقة تارة وبالتجربة تارة أخرى، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- ينظر في تصرفات الصحابة، ويميِّز أصحاب الذكاءات الفطرية المختلفة، فيُؤهِّلهم للمهمات التي تتوافق مع قدراتهم.

فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، قد وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه "أرحم أمتي بأمتي" أبو بكر وأرحم باللغة صبغة تفضيل وكأنه -صلى الله عليه وسلم- أجرى مقياس الرحمة للكل، فرجحت كفة سيدنا أبي بكر، شخصية متزنة، رزينة، فجعل منه مستشارًا له ووزيرًا، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، بقوله صلى الله عليه، وسلم " وأشدهم في أمر الله عمر" فهو ذو قوة وصرامة، فكان له أعظم الأثر في الإدارة والعدل.

وعثمان بن عفان رضي الله عنه، رجل حيي وقد أشار إلى ذلك -صلى الله عليه وسلم- في الحديث "وأشدهم حياءً عثمان"،

وعلي بن أبي طالب، ذو الذكاء والحكمة، فكان من أعمدة القضاء والعلم، بقوله صلى الله عليه، وسلم "وأقضاكم علي"،

وخالد بن الوليد، رجل حسم وحربٍ، فجعل منه سيفًا من سيوف الله، وزيد بن ثابت، ذكي سريع التعلم، فصار مترجمَ النبي وكاتب الوحي.

كل واحد من هؤلاء الصحابة، لم يكن يبرز لو لم يكن هناك من يكتشفه ويوجهه، وهذا هو الدور النبوي الذي نحتاج إليه اليوم.

إننا في زمنٍ تموت فيه المواهب في مهدها، ويُتهم المبدع بالغرور، ويُقصى المجتهد، وتُهمَّش العقول، فشبابنا اليوم يعيشون في ضياع، لا لأنهم أغبياء، بل لأنهم لم يجدوا من يكتشفهم ويوجههم.

لقد جاءت السيرة النبوية لتكون منهجًا متكاملًا في صناعة الإنسان، وإعداد القادة، وبناء الأمة، لا مجرد سردٍ تاريخي أو قصصٍ للتسلية، وإذا أردنا النهضة، فعلينا أن نعيد اكتشاف الإنسان، وأن نبحث في شبابنا عن مخترع، لا عن حافظٍ فقط، ولنقدر الصانع كما نقدر القارئ، ونُعلي من شأن أصحاب المواهب كما نُعلي من الشهادات.

في بيوتنا: كم من طفل ذكي كسرناه بكلمة: "أنت لا تفهم"! وكم من بنت مبدعة وأَدْنا طموحها؛ لأننا نريدها نسخة مكررة من غيرها!

وفي مدارسنا: كم من طالبٍ ضاع؛ لأنه لم يُتح له إلا طريقاً واحد! وكم من معلم أهمل مواهب تلاميذه؛ لأن المنهج لا يسمح!

وكم من شبابنا اليوم يُهمَّشون، وتُقتل مواهبهم في البيوت والمدارس! وكم من أطفالنا نحكم عليهم بالفشل؛ لأنهم لا يتقنون حفظ الدروس، ولا نلتفت إلى ما عندهم من مواهب يدوية، أو فنية، أو كتابية، أو قيادية عظيمة!

نحتاج اليوم أن نحيي المنهج النبوي في اكتشاف الطاقات، وأن نفتح المجال لكل موهبة أن تُعبِّر عن نفسها، وأن نبني مؤسسات تعليمية لا تقتل الإبداع، وتغتال العقول، ومساجد تُرشد وتوجِّه، ومجالس أسرية تُنصت لأحلام أولادها لا تسخر منها.

إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن عنده معاملُ ولا جامعات، لكن كانت عنده البصيرة، والرحمة، والحكمة في تنمية المواهب، وبناء القدرات، وتنشئة القيادات، فأنشأ -صلى الله عليه وسلم- جيلًا فريدًا، أخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن دروب الغواية إلى سبل الهداية.

أضف تعليقاً

تتم مراجعة كافة التعليقات ، وتنشر في حال الموافقة عليها فقط ، ويحتفظ موقع المنتدى العالمي للوسطية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ولأي سبب كان ، ولن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة أو خروجاً عن الموضوع المطروح ، وأن يتضمن اسماء أية شخصيات أو يتناول إثارة للنعرات الطائفية والمذهبية أو العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث أنها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع المنتدى العالمي للوسطية علماً ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط.

Filtered HTML

  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Allowed HTML tags: <a> <em> <strong> <cite> <blockquote> <code> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd>
  • Lines and paragraphs break automatically.

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.