العلامة محمد إقبال يلهم الشباب المسلم                                       

الدكتور زيد احمد المحيسن                                                   

في عالم مليء بالتحديات والفتن، يبقى الإلهام الصادق هو الشمعة التي تنير دروب الأجيال المقبلة. ومن بين الأسماء التي حفرت أعمق الأثر في تاريخ الفكر الإسلامي، يبرز اسم العلامة محمد إقبال كرمز للنهضة الفكرية والثقافية، وشاعرًا وفيلسوفًا وضع بذور الأمل في قلوب المسلمين. وُلد إقبال في سيالكوت عام 1877، ليصبح بمثابة المنارة التي تُرشد الأمة الإسلامية نحو المجد والطموح.

لم يكن إقبال مجرد شاعر يحكي عن آلام الأمة وأحلامها؛ بل كان صاحب رؤية عميقة تفجرت في قلبه فجعلت منه صوتًا ملهمًا للشباب المسلم في شتى أنحاء العالم. إن ما يميز فكر إقبال هو قدرته على الجمع بين الحكمة العميقة والرؤية المستقبلية، فقد رسم خارطة طريق لمستقبل الأمة الإسلامية، مشيرًا إلى ضرورة النهوض من حالة الركود والتراجع، والدعوة إلى العودة الجادة إلى الدين والتاريخ. كان إقبال يؤمن بأن الأمة لا يمكن أن تستعيد مكانتها إلا إذا تحققت الوحدة بين أبنائها، وامتلك كل فرد فيها الوعي الكامل بقدراته وإمكاناته.

في أشعار إقبال، نجد دعوة حقيقية للحرية، والإيمان، والعمل. وفي قصيدته الشهيرة "خطاب إلى شباب الإسلام"، يحث الشباب على أن يكونوا قادة للمستقبل، حاملي لواء التغيير والإصلاح، مؤمنين بقوة ذاتهم وبقدرتهم على صنع الفارق. كانت كلماته بمثابة الدعوة إلى التحرر من القيود العقلية والاجتماعية التي تعيق تقدمهم، وتوجيههم نحو استعادة عزتهم وكرامتهم.

إقبال كان عميق التفكير، واسع الثقافة، فلم يقتصر علمه على الفلسفة الغربية فحسب، بل كان دائم التفاعل مع فكر الفلاسفة الإسلاميين العظام مثل الغزالي وابن سينا، وكان يتطلع دوماً إلى تجديد الفكر الإسلامي في ضوء مستجدات العصر. وبذلك جمع بين التراث والمستقبل، وأثبت أن الإسلام ليس مجرد تاريخ نعيد تذكره، بل هو قوة دافعة تُلهب الطموحات وتُشعل مشاعر العطاء والإبداع.

لكن إقبال لم يكن فيلسوفًا فقط، بل كان صاحب قضية، وكان شعره بمثابة المنبر الذي من خلاله طرح أفكاره الثورية. ففي قصائده، نجد إشارات قوية على دعوته إلى العودة إلى الذات، التي اعتبرها مفتاحًا لتحقيق النهضة. فما كان يدعو إليه هو "الخودي"، أي الوعي الذاتي العميق الذي يسمح للإنسان بأن يتجاوز حدود المستحيل ويصنع من نفسه نموذجًا يحتذى به في العالم.

كما لم يغب عن فكر إقبال دعوته المستمرة إلى الوحدة بين المسلمين. فقد كان يؤمن بأن قوة الأمة تكمن في تماسك أفرادها، وفي قدرتهم على تجاوز الخلافات الطائفية والعرقية. كانت رؤيته تشمل ليس فقط باكستان، بل الأمة الإسلامية بأسرها، حيث كان يرى أن الإسلام قادر على أن يكون مصدرًا للثروة الروحية والفكرية والمادية للعالم.

وفي معترك الزمن، ظل إرث إقبال حيًا يتردد صداه في الأجيال الجديدة، التي لا تزال تستلهم من أشعاره وكتاباته العزيمة والإرادة. ما من شك أن رسالته ما تزال صالحة لكل زمان ومكان، حيث تظل دعوته إلى الإيمان بالذات والاعتزاز بالقيم الإسلامية نبراسًا يضيء الطريق للأجيال القادمة.

إقبال لم يكن شاعرًا فحسب،بل مفكرا وفيلسوفا وقبل هذا وذاك كان ثائرًا على الجمود الفكري والاجتماعي. لم تكن كلماته تقتصر على الوصف والتعبير، بل كانت دعوة للعمل والتغيير. ومثلما حارب الجمود في فكر الأمة، فإنه كان ينادي كل شاب مسلم بأن يكون قائدًا في زمنه، وأن يحقق ذاته وفقًا لمبادئه، وأن يواجه التحديات بثقة وإيمان.

وبينما يعيش شباب اليوم في عالم مليء بالتحديات، تبقى كلمات إقبال زادًا روحيًا يعينهم على المضي قدمًا في سبيل بناء مستقبل مشرق. فهي دعوة لهم ليعودوا إلى جذورهم، ويستلهموا من تراثهم، ليصنعوا من الحاضر بداية جديدة للمستقبل. إن إرث إقبال لا يزال حيًا، ويواصل إلهامنا لتحقيق التغيير، وجعل من طموحاتنا القوة التي تدفعنا نحو غدٍ أفضل..