wasateah
المنتدى العالمي للوسطية
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً
عدد الزوار page counter
المرأة العاملة بين إرهاصات العمل ورعاية الاسرة

 

المرأة العاملة : بين ارهاصات العمل ورعاية الاسرة         

الدكتور زيد احمد المحيسن                         

دخلت المرأة العربية، وبالأخص الأردنية، سوق العمل نتيجة لزيادة الاهتمام بتعليمها، وتطور القوانين التي تدعم حقوقها وتتيح لها الفرصة للمشاركة الفعالة في مختلف المجالات. لكن مع هذا التغيير الكبير في الدور الاجتماعي للمرأة، نشأت معضلة جديدة تتمثل في كيفية التوفيق بين متطلبات العمل وضغوط رعاية الأسرة. فبينما تسعى المرأة لتحقيق النجاح في العمل، تجد نفسها مضطرة في نفس الوقت لتحمل مسؤوليات الأمومة، ورعاية الأطفال، وتأمين احتياجات الأسرة المعيشية. وهذا التحدي اليومي يؤدي إلى نوع من الإرهاق الذي قد يؤثر على مفهوم التربية ودور المرأة كأم ومعلمة في آن واحد.

إن رعاية الأسرة ليست مجرد إطعام الأطفال وشراء الملابس لهم أو ضمان تعليمهم في المدرسة، بل هي عملية تربوية عميقة تتطلب أن تكون الأم حاضرة في كل تفاصيل حياة أبنائها. إن التربية الحقيقية هي التي تتمثل في غرس القيم والمبادئ، وتشكيل شخصية الطفل، وتوجيهه نحو تفكير نقدي، وتنمية مهاراته الاجتماعية والعاطفية. وعليه، فإن المرأة التي تعمل خارج المنزل وتؤدي دور الأم في داخله تواجه تحدياً كبيراً في توفير الوقت والجهد اللازمين لتلبية احتياجات أطفالها الفكرية والعاطفية، وهو ما قد يؤدي إلى غياب القدوة الحقيقية التي يحتاجها الأبناء. في الكثير من الأحيان، تصبح المسؤوليات اليومية بالنسبة للأم عبئاً ثقيلاً يشغلها عن الاهتمام بالجوانب التربوية المهمة في حياة أطفالها، مما ينعكس سلباً على تفاعلهم العاطفي والاجتماعي.

إن التربية السليمة تبدأ من تفاعل الأم مع أبنائها، ومن استثمار الوقت في تعليمهم كيفية التفكير السليم، وكيفية بناء علاقاتهم مع الآخرين، وتنمية مهاراتهم الحياتية. لكن في ظل ضغوط العمل اليومية، قد تُختزل التربية في مجرد تلبية الاحتياجات المادية للطفل، دون الاهتمام بتوجيهه نحو قيم ومبادئ تعينه على مواجهة تحديات الحياة. هذا الواقع يخلق فجوة بين دور المرأة كأم مشغولة بأعباء العمل وبين مسؤولياتها الحقيقية في تربية أطفالها. وهو ما يؤدي إلى تدني قدرة المرأة على نقل المفاهيم التربوية لأبنائها بالشكل الصحيح.

من هنا، لا بد من أن يعاد النظر في دور المرأة في المجتمع، وفي كيفية توفير الدعم لها في مكان العمل، حتى تتمكن من التوفيق بين حياتها المهنية وحياتها الأسرية. إن توفير بيئة داعمة للمرأة في العمل، مثل إجازات مرنة وفترات راحة، يمكن أن يسهم في تقليل الضغوط التي تواجهها. كما أن من الضروري أن يتغير الفهم الاجتماعي للتربية بحيث لا يُختصر في توفير احتياجات الأطفال المادية فقط، بل يمتد ليشمل دور الأم في بناء شخصية أطفالها من خلال تفاعل يومي واهتمام حقيقي بتوجيههم نحو السلوكيات والقيم التي ستساعدهم في بناء مستقبل أفضل.

إن استعادة المرأة لدورها التربوي لا يكون إلا من خلال إعادة تقييم لكافة هذه التحديات، ودعم حقيقي يمكنها من الجمع بين النجاح في العمل والإسهام الفعّال في تربية أبنائها. إن المجتمعات التي تدرك أهمية هذا التوازن وتقدر دور المرأة في تنشئة الأجيال، هي التي تساهم في بناء مجتمع قوي قادر على مواجهة تحديات العصر وصدق الشاعر إبراهيم طوقان حين قال في قصيدة العلم والأخلاق :"الأمُ مدرسةٌ إذا أعددتها… أعدت شعباً طيب الأعراق"..

 

أضف تعليقاً

تتم مراجعة كافة التعليقات ، وتنشر في حال الموافقة عليها فقط ، ويحتفظ موقع المنتدى العالمي للوسطية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ولأي سبب كان ، ولن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة أو خروجاً عن الموضوع المطروح ، وأن يتضمن اسماء أية شخصيات أو يتناول إثارة للنعرات الطائفية والمذهبية أو العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث أنها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع المنتدى العالمي للوسطية علماً ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط.

Filtered HTML

  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Allowed HTML tags: <a> <em> <strong> <cite> <blockquote> <code> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd>
  • Lines and paragraphs break automatically.

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.