
رحيل الدكتور زغلول النجار: مسيرة عالمٍ جمع بين الحقيقة الكونية والهداية القرآنية
بقلم د. أحمد سنان الكامل
رحل عن عالمنا الدكتور زغلول النجار رحمه الله، أحد أبرز أعلام الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، بعد حياة حافلة بالعطاء العلمي والدعوي امتدت لعقود من الزمن، كانت شاهدة على رجل آمن بأن العلم الصحيح طريق إلى الإيمان، وأن في كل حقيقة كونية مرآةً تعكس صدق الوحي وعظمة الخالق جلّ وعلا.
ولد الدكتور زغلول النجار في مصر، وتلقى تعليمه في مجال علوم الأرض والجيولوجيا حتى نال درجته العلمية العالية، لكنه لم يقف عند حدود التخصص الأكاديمي، بل جعل من علمه جسرًا يصل بين الحقائق الكونية والإشارات القرآنية، ليُظهر للعالم كيف أن ما تكشفه المختبرات والمراصد لا يزيد القرآن إلا تصديقًا، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: 53].
كرّس الدكتور زغلول حياته العلمية والفكرية لخدمة هذا الميدان، فكان أستاذًا جامعيًا ومحاضرًا في الجامعات العربية والغربية، ثم انتقل إلى العمل الدعوي والإعلامي ليخاطب الجماهير بأسلوب علمي مؤمن يجمع بين دقة العالم وحرارة الداعية. فظهرت له عشرات البرامج والمحاضرات والمؤلفات التي ربطت بين النص القرآني والاكتشاف العلمي، حتى أصبح اسمه مقترنًا بالإعجاز العلمي في أذهان الملايين من المسلمين وغير المسلمين على السواء.
وكان الفقيد أحد الرواد المؤسسين لهيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة إلى جانب العلّامة الشيخ عبد المجيد الزنداني رحمه الله، فشكّل مع رفاقه نواة مدرسة علمية أصيلة جمعت بين الإيمان الراسخ والعلم التجريبي الرصين. هذه المدرسة لم تكن تهدف إلى تكلّف التفسيرات العلمية، بل إلى إبراز الإشارات القرآنية في ضوء الحقائق القطعية الثابتة، فكان منهجها قائمًا على التوازن بين النص والعلم، بعيدًا عن المبالغة أو التسرّع في الحكم.
واليوم، إذ يغيب الدكتور زغلول النجار عن ساحة العلم والدعوة، فإن غيابه لا يعني انقطاع أثره، بل تزداد مدرسته الفكرية والعلمية رسوخًا وانتشارًا. فالعلماء والدعاة والباحثون الذين تتلمذوا على فكره وكتبه ومحاضراته يواصلون هذه المسيرة المباركة التي تربط بين الإيمان والعقل، وبين الآية الكونية والآية القرآنية. لقد مضى الجيل الأول من مؤسسي هذا الميدان، لكنّ آثارهم باقية تشهد على إخلاصهم وجهادهم في خدمة كتاب الله.
فرحم الله من مضى من رواد الإعجاز العلمي كالدكتور زغلول النجار والشيخ عبد المجيد الزنداني، وجزاهم عن الأمة خير الجزاء، وحفظ الله من بقي من العاملين في هذا الحقل الشريف، وسدّد خطاهم لمواصلة الطريق، فإن المرحلة القادمة تتطلب مضاعفة الجهود في إقامة المؤتمرات والندوات والمحاورات العلمية، والتواصل مع الشخصيات والمؤسسات العالمية لتقديم رسالة الإعجاز العلمي بالصورة الصحيحة التي أرساها المؤسسون، حتى تبقى راية "الإعجاز العلمي في القرآن والسنة" مرفوعة تضيء العقول وتثبّت الإيمان.
ابحث
أضف تعليقاً