نهج الوسطية والاعتدال : مفتاح بوابة العيش المشترك
الدكتور زيد احمد المحيسن
تعتبر الوسطية من أبرز المبادئ التي يسعى الكثيرون إلى ترسيخها في المجتمعات المتنوعة ثقافيًا ودينيًا، فهي تمثل توازنًا فكريًا وإنسانيًا يعزز من التفاهم المتبادل بين الأفراد والمجموعات المختلفة. لا يقتصر دور الوسطية على البُعد الديني فحسب، بل يتعداه إلى مفهوم شامل يشمل العدالة، والاحترام المتبادل، والتعايش السلمي بين الأديان والثقافات. في العالم المعاصر، حيث تعدد الثقافات والأديان هو السمة الغالبة في العديد من المناطق، يصبح من الضروري التمسك بمبادئ الاعتدال التي تساهم في تقوية الروابط الإنسانية بين الشعوب.
الوسطية، كما يتمثلها الإسلام، ليست مجرد مفهوم ديني بحت، بل هي أسلوب حياة يهدف إلى تحقيق التوازن بين مختلف جوانب الحياة. فهي تعني أن الإنسان يعيش في أفضل حالاته، حيث لا ظلم ولا تطرف، في تعامله مع الآخرين. إذ إنّ الإسلام يدعو إلى عدم الغلو أو التشدد في الدين، ويدعو إلى العيش في حالة من العدالة والرحمة، لا تفرط ولا تفرط. وعلى الرغم من الاختلافات التي قد تظهر بين الثقافات والأديان، تظل القيم الوسطية ركيزة أساسية لنجاح العيش المشترك، حيث تُحفّز على الاحترام المتبادل دون التفريط في المبادئ الشخصية أو الدينية.
في المجتمعات المتعددة الثقافات، التي يسكنها المسلمون جنبًا إلى جنب مع أتباع ديانات وثقافات أخرى، يكتسب مفهوم العيش المشترك أهمية خاصة. فالتعددية الثقافية والدينية قد تخلق تحديات في التواصل بين الأفراد، لكن وسطية الإسلام تبرز كإطار مرن وقوي يمكن أن يساهم في تجاوز هذه التحديات. فالإسلام يدعو إلى التعايش السلمي، ويحث على احترام حقوق الآخرين، ولا يُميز بين الناس بناءً على ديانتهم أو عرقهم، بل يُعتبر أن التعايش السلمي هو أمر يُسهم في بناء مجتمع قوي ومتماسك. والوسطية تعني أن يكون المسلم قدوة في معاملاته مع الآخرين، وأن يظهر صورة الإسلام الحقيقية من خلال سلوكه الحسن وتعامله الرحيم مع الجميع.
من المهم أن نفهم أن الوسطية لا تتوقف عند حدود العيش المشترك في المجتمعات المحلية، بل تتجاوز ذلك إلى التفاعل مع العالم بأسره. فالإسلام يدعو أتباعه إلى الحوار والتفاهم مع الآخرين، والتفاعل مع مختلف الشعوب والثقافات بما يحقق مصلحة الجميع. وتكمن أهمية نشر ثقافة الوسطية في المجتمعات المتنوعة في قدرتها على تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الأديان والثقافات المختلفة. فمن خلال التمسك بهذه القيم، يمكن أن تُزال الحواجز بين الأديان والثقافات، ويتم بناء جسور من الثقة والتعاون.
إن المؤسسات التعليمية والبرامج الثقافية والفكرية تُعد من أبرز الوسائل التي يمكن من خلالها نشر هذه الثقافة. فالمناهج الدراسية التي تركز على التسامح، والاعتدال، وفهم الآخر، تسهم في تنمية جيل قادر على العيش المشترك واحترام التعددية. كما أن الفعاليات والأنشطة التي تُنظم بين مختلف الأطياف الثقافية والدينية تُساهم في تعزيز هذه القيم وتوضيح أهمية العيش في بيئة تحترم الاختلاف وتقدر التنوع.
من خلال الالتزام بهذه القيم الوسطية، يمكن أن نحقق بيئة من السلام الداخلي والخارجي، تُحترم فيها حقوق الإنسان، وتُحفظ فيها كرامته، ويتم بناء علاقات قائمة على التفاهم والعدالة. إن النهج الوسطي لا يقتصر على الأفراد بل هو أساس لبناء مجتمع أكثر تماسكًا واستقرارًا، ويعزز من فكرة العيش المشترك الذي يقوم على قيم الخير والعدالة والمساواة بين الجميع، ويعكس الصورة الحقيقية للتسامح والتعاون بين مختلف الأديان والثقافات.
ابحث
أضف تعليقاً