إبراهيم عليه السلام في الحج
بقم: نور الهدى شاعر
في ديننا الحنيف مواسم الخير لا تنقطع، دائما هناك فرصةً جديدة وسبيل يمهد لنا طريقًا نحو عهد جديد مفعم بالنور. ولكل موسم حكاية ولعل الحج هو إحدى هذه المنح الإلهية العظيمة التي كثيرا ما ترتبط بنبي الله إبراهيمﷺ. ولكن لماذا ارتبطت قصته عليه السلام بالحج؟
في الواقع هناك عدّة أوجه لارتباط قصة إبراهيمﷺ بالحج، منها أنه عليه السلام هو من بنى الكعبة بأمرٍ من الله سبحانه وتعالى يقول تعالى في سورة البقرة: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ ومما جاء في الأثر أن إبراهيمﷺ جاء إلى مكة وكان إسماعيل عليه السلام قد شب وتزوج -وقد كان عليه الصلاة والسلام يتنقل بين الشام ومكة بعد أن أمره اللهﷻ بترك إسماعيل وأمه هاجر عليهما السلام في مكة- بعد أن التقى إبراهيم بولده الذي احتفى به وأكرمه عليهما السلام جلس إلى جانبه وقال له: «إن الله قد أمرني بأمر، أتعينني على ذلك؟»
أجابه الولد البار: « نعم، أعينك يا أبي!»
فقال له: «إن الله أمرني أن أبني ها هنا بيته»
فكان إبراهيمﷺ يبني البيت واسماعيل يناوله، فلما بلغ جدار الكعبة رأس إبراهيمﷺ لم يستطع أن يكمل، فجاء بحجر وصعد عليه حتى يطيل جدار الكعبة، فكان هذا الحجر مقام إبراهيم اليوم! فأنت إذًا تطوف حول الكعبة التي بناها إبراهيم وحين تنتهي من الطواف تصلي ركعتين عند مقام إبراهيمﷺ!
ومن جهة أخرى لو نظرنا على ناحية المشاعر والمناسك لوجدنا فعليا أن ما جاء في كتب السيرة والتاريخ عن حج إبراهيمﷺ يتطابق بشكل كبير جدا مع حج النبي محمدﷺ. وذلك أن خاتم الأنبياءﷺ كان ينقل جزء كبير من مناسك الحج عن ملة أبي الأنبياءﷺ ومما جاء في الأثر أن إبراهيم حين فرغ من بناء الكعبة دعا ربه قائلا: «ربنا أرنا مناسكنا» فنزل جبريل عليه السلام وبدأ بالتعليم العملي لإبراهيمﷺ فأمره بالطواف حول الكعبة سبعة أشواط ففعل عليه السلام ثم بعد ذلك بدأ جبريل عليه السلام ينقله في المناسك، فانتقل إلى منى ومنها إلى عرفات ثم إلى المزدلفة ثم عاد مرة أخرى إلى الجمرات وهذا حرفيا ما يفعله المسلمون اليوم اقتداءً بمحمد وإبراهيم من قبل عليهما صلوات ربي وسلامه.
أضف إلى ذلك أن إبراهيمﷺ هو أول من دعا الناس إلى الحج يقول تعالى في سورة الحج مخاطبًا أبا الأنبياء: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ ومما جاء في الآثار المختلفة أن الله حين أمر إبراهيم بنداء الحج سأل ربه: «كيف يبلغهم صوتي!» فقال له تعالى:«إنما علينا البلاغ» فكان كلما نادى في جهة أتاه الرد لبيك لبيك! وهكذا نجد أن كل شيء في الحج يذكرنا بهﷺ فالعجب أحق بأن يكون ممن لا يستذكر سيرة خليل الرحمن في هذا الموسم تحديدا!
إن المتأمل في قصة إبراهيم يجد فيها من الدروس العبر ما تفنى الأعمار في تحصيله حقًا فبناء البيت بهذه الطريقة بهذا المكان فيه عبودية واستجابة واضحة وامتثال لأمره تعالى خاصة ما صاحبه من تضرع ورجاء وانكسار لله«ربنا تقبل منّا!» وهكذا هم الصالحون يفعلون الطاعات ويخافون عدم قبولها كما أنهم لا يقنطون من رحمة الله التي وسعت كل شيء! وكان في دعائهﷺ حين قال: « ربنا أرنا مناسكنا» إلتفاتة مهمة جدا وهي أن عبادة الله لا تكون على هوانا إنما لا بد أن تكون كما يحب الله ويرضا وهذا هو الدين لذا فلا بد للمسلم أن يتعلم كيف يعبد الله ليعبده على بصيرة فلا يشقى! وختاما من لطائف ما يمكن تأمله في قضية النداء للحج يتمثل في قول تعالى: «إنما علينا البلاغ» فلا يغتر قوي بقوته فإنما الله الذي أذن ولا يخشى الضعيف ضعفه فإن الله الذي يعين وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى فإذا صلحت النية مع صدق التوكل على الله كانت حتى نقاط ضعفك قوة!
في النهاية لا ننسى أن الإمامة في الدين قد حقت لنبي الله إبراهيم بما نزل فيه من عظيم البلايا والتي تجاوزها كلها بنجاح صلوات ربي وسلامه عليه فقال له تعالى ﴿إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ فكان هذا وعد الرحمن لخليله ولايزال ذكرهﷺ قائما إلى قيام الساعة! وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.
ابحث
أضف تعليقاً